Monday, 17 August 2009
الفقر والحياة
استيقظ من نوم عميق .. لم ينهض من السرير .. يداه خلف رأسه و عيناه تنظر إلى سماء غرفته .. تلك الغرفة البسيطة التي صممها بنفسه من قطع أساس بسيطة استطاع على مر الوقت أن يجعل منها غرفة ذات طابع خاص .. تعبر عنه و عن ميوله الفنية
عقله يفكر في حياته .. هو الآن على مشارف نهاية العقد الثاني من حياته .. يشعر انه لم يحقق أي شيء مما كان يحلم به أيام الطفولة أو المراهقة أو حتى بعد تخرجه من الجامعة .. يعرف أن هناك أسباب كثيرة و لكن أهم الأسباب ذلك الصديق الوفي الذي يأبى أن يفارقه ألا و هو الفقر
نعم انه الفقر .. منذ نعومة أظافره دوما كان الفقر حائلا بينه و بين كل ما يتمناه .. بداية من أيام دراسته .. و عدم استطاعته الذهاب إلي دروس خصوصية و حاجته إلي شراء الملخصات و لكنه كان اقوي منه فقد كان مجتهد و كان يحاول ان يدخر ما يستطيع من عمله في الأجازات الصيفية و كانت الصدمة الأولي حينما جاء الأب بعد نهاية المرحلة الإعدادية و حاول إقناعه ألا يلتحق بالثانوية العامة اختصارا للمصروفات و أن يلتحق بالتعليم الفني , في تلك اللحظة شعر بخنجر يذبح فرحة نجاحه في الإعدادية بمجموع عالي و بكى كثيرا ووعد ألا يكون هناك مصروفات إضافية إذا التحق بالثانوي العام لأنه يتمنى أن يكمل تعليمه الجامعي
و بالفعل التحق بالتعليم الثانوي , و حاول على قدر المستطاع ألا يكون هناك مصروفات كثيرة لا للدروس الخصوصية , و بداء يعمل أيام الأجازات ربما لتوفير بعد النقود لشراء بنطلون و قميص للعام الجديد و بعض الكتب الخارجية .. و أكمل الثانوية و حصل على مجموع عالي أيضا .. و لكن لم يلتحق بما كان يتمني من الكليات ليس بسبب المجموع و لكن لأن الكليات التي يتمناها بعيدة عن مدينته و بالطبع لن يستطيع توفير ما يكفيه من المصروفات لكي يستطيع أن يستمر في درا ستة , لذلك التحق بأقرب كليه لبيته , و على الرغم من ذلك فقد كان يعاني , فعندما يكون الدخل محدود جدا تكون اقل المصروفات عبء كبير جدا
و بعدما انهي درا ستة بدأ مشوار البحث عن عمل .. و زاد قرب الصديق الوفي له ألا و هو الفقر و زاد تأثيره عليه .. من أين له مثلا أن يأتي ببذلة لارتدائها عند عمل مقابلات شخصية و هو يستطيع بالكاد شراء قميص و بنطلون جديد مرة كل عام .. من أين يستطيع أن يجد سكن في مدينة أخري ليقيم بها لأنه يوجد بها فرص عمل أكثر لان مدينته لا يوجد بها فرص عمل
من أين يستمر في البحث عن عمل و هذا البحث يكلفه الكثير من نقوده القليلة التي يمتلكها .. ربما كلمة إحباط هذه قليلة عما يوجد داخله .. استسلم للأمر الواقع و بدأ يبحث عما هو متاح حوله .. و بدأ يقبل أن يعمل أي عمل على أمل أن يأتي اليوم الذي تتغير فيه الحياة و يتحقق و لو حلم صغير مما يتمناه . و لكن حتى هذا العمل لا يكفيه أن يحيى حياة كريمة و لا أن يستقل بحياته بعيدا عن الأسرة
ربما ذلك الإحساس الذي داخلة بالإثم و انه يرتكب ذنب يمنعه من ارتكاب أي خطأ أخر .. ربما لأنه يريد أن يقول لربه ها أنا يا ربي لم اسرق , لم اخذ شيء ليس لي , لم أتلفظ بلفظ قد يجرح أحدا , لم اكذب , لم اوقع بين الناس , لم افعل أي شيء قد يغضبك لأني قادر أن أتحكم في كل هذه الأشياء .. ها أنا يا ألاهي بكل المقاييس البشرية إنسان كامل .. و لكنك يا ربي لم تخلقنا كاملين فالكمال هو صفة من صفاتك آنت .. أما أنا فليس في إلا عيب واحد .. تعلمه آنت و اعلمه أنا .. فهل هذا يجعلني من الصالحين أو المقربين منك ؟؟
تقلب في الفراش و هو يتنهد و ما زال يفكر في صديقة الوفي و في أحلامه .. كان لديه الكثير و الكثير من الأحلام .. تمنى أن يعمل مذيعا .. تمنى أن يعمل صحفيا .. تمنى أن يعمل مهندس ديكور .. تمنى أن يعمل ممثلا .. تمنى أن يعمل مصورا .. تمنى أن يعمل مخرجا .. تمنى أن يعمل في السياحة .. أحلام كثيرة و أمنيات أكثر و لكن الفقر كان كالصياد الذي يغتال كل الأحلام
فهو من ذلك النوع الذي يحسب كل خطوة من خطواته .. حتى عندما يفكر في الخروج فهو يحسب هل ما يمتلكه من نقود سوف يكفيه آم لا ... هل لو ذهب هو و احد الأصدقاء إلى مكان ما سوف يستطيع أن يدفع تكاليف ما سوف يتناولونه آم لا ؟؟ فهو لا يحب أن عاله على أحدا.. و حتى إن حدث و الأخر هو من يدفع يشعر بحزن و إحراج شديد قد يدفعه ذلك إلى ضرورة رد هذا في اقرب وقت ممكن , و قد يرجع هذا إلي أيام الطفولة , فمنذ صغره كان يخجل أن يطلب من أبيه مصروفه .. و كانت أمه تعرف هذا فكانت هي من يطلب من الأب .. و اوقاتا كثيرة كان الأب يثير مشكلة بسبب هذا و يقول لماذا هو لا يطلب .. و كان هذا يضع الابن في مشكلة .. فقد كان يذهب إليه يقف بين يديه عينيه في الأرض تخرج الكلمات من بين شفتيه بصعوبة طالبا المصروف الذي بالكاد يكفيه ثمن المواصلات , اوقاتا كثيرة كان يبكي بعد هذا الموقف
لم يفكر في طلب المساعدة من الآخرين حتى اقرب الناس له .. لعزة نفسه و لاعتقاده الأكيد ان احد لا يساعد الأخر بغير مقابل .. و قد يختلف هذا المقابل من شخص لأخر .. عرض عليه الكثير من فرص جمع المال بطرق غير سويه لكنه رفض .. هو لا يبيع نفسه .. لم يتمنى أبدا أن يصبح إنسان غني في يوم من الأيام .. لم يتمني يوما أن يمتلك سيارة مثلا و لا فيلا كبيرة أو قصرا .. كل ما يحلم به أن يستطيع أن يحيى حياه كريمة .. أن يخرج بدون أن يفكر كم سوف ينفق و كم لدية في جيوبه .. أن يستطيع شراء بعض الملابس دون الخوف من ثمنها .. ألا تصير النقود هي ما يحدد حياته و اختياراته .. فالنقود نعم مجرد وسيلة للحياة .. و لكن الفقر يحرمك من تلك الحياة
نهض من السرير مسرعا ينفض عنه كل هذه الأفكار .. فليس هناك جديد في الحياة .. أسرع إلى الحمام ثم إلى المطبخ يعد الفطور و كوبا كبيرا من الشاي . و جلس أمام الكمبيوتر الذي اشتراه من نقودا حصل عليها من معاش أبيه .. و دخل إلي عالمه
Subscribe to:
Posts (Atom)